الصفحة الرئيسية

الثورات في البلدان العربية وتاثيرها على ايران

حوار مع كورش مدرسي
(اوائل ابريل-نيسان 2011)

ترجمة: فارس محمود

مصطفى اسد بور: يتماوج طيف الثورات في افريقيا والشرق الاوسط . في حمية الصراعات، تتجه الانظار لايران، الجماهير والجمهورية الاسلامية، وتسود احاديث عن ان ايران لازمة للصمت بصورة غريبة، ولم تخرج بشيء من هذه الاوضاع الملتهبة. اذا اقرينا بان منطق هذه الثورات يكمن في الدمار، الفقر والظلم على الطبقة العاملة والجماهير الكادحة من جهة، وطرف الانظمة القمعية من جهة اخرى، عندها ينبغي ان تكون ايران بصورة اولى مركز حام لهذه الصراعات.

لماذا لم يطفوا للسطح اي شيء من ايران؟ بتاثر بلد تلو بلد وجماهير وطبقة العاملة مجاورين لها، وينزلوا للشوارع وينضموا للاحتجاجات، ولكن ليس من صوت ياتي من ايران. كورش مدرسي، هل لهذا السؤال مكانة ما لديك؟

كورش مدرسي: نعم، لديه مكانة عندي. ولكن ينبغي رؤية ماهو مشترك وماهو مختلف. ان الثورة التي انطلقت في تونس، واندلعت بعد ذلك في مصر، وبلغت بعدها ليبيا بصورة معوجة او الاحتجاجات التي جرت في اليمن والبحرين والان في سوريا، هي ظاهرة مهمة تنتصب امامنا. ان هذه الظاهرة هي سحر وسائل الاعلام الجديدة. حين اندلعت ثورة 1979 في ايران، لم نواجه بمثل هذه الظاهرة التي بوسعكم تعقب ومتابعة الثورة لحظة لحظة بصورة حية، وتسمع مبررات الثوريين ومنطقهم، قوة تعرض لك جماهير عريضة تهب للشارع وتريك اذلال السلطات الحاكمة وفرار الشرطة. تشاهد المقاومة ومتابعة كل اللوحة بصورة حية من التلاعب بهذه الثورات والسعي للجمها وغير ذلك.

ان سحر وسائل الاعلام الجديدة في القرن الحادي والعشرين، وسائل الاعلام العامة من النقل والبث المحدود والمتاخر لاخبار الثورات، ناهيك عن عبر كراس سري الى تعميم ونشر البث الحي والمباشر للثورة الى غرفة كل عائلة.

ان هذه المكانة، وبغض النظر عن مطلب ورغبة البرجوازية وقوى الثورة المضادة، جعل الحكومات عاجزة الى حد كبير عن التحكم او وضع الرقابة العامة على الاخبار . اذ يبث عكس الاخبار الغبطة والسرور في كل ساخط وكل امرء يرزح تحت نير الظلم والقمع، ناهيك عن جماهير ايران. اذ حين يرى اناس نوعه وجماهير من مثله حلت في الميدان وقامت بمثل هذه الاعمال، تُبَثْ فيه مشاعر الحماس، ويعتبر ان ماقام به الاخرون هو امر ياتي من ايديه ايضاُ. ان هذه الابعاد لحصول الاخير على الخبر يسهل بالتاكيد من انتقال الثورات الى بلدان اخرى، وجعل اتساع نبض الثورة الى بلد اخر او انتقاله الى بلدان اخرى امراً ممكناً اكثر وابسط الى حد كبير.

ان هذا لم يترك بالطبع تاثير مباشر على الاجواء السياسية في ايران فحسب، بل على اجواء لندن نفسها. لقد سمعت قبل ايام ان المحتجين على هجمة الحكومة البريطانية على معيشة الجماهير يريدون القيام على غرار ما اقيم في ميدان التحرير في القاهرة وينصبوا الخيام في ساحة "الاغر". لا اعلم هل يقومون بهذا العمل ام لا، وهل تسمح الشرطة بذلك او انهم قادرين على فرض مثل هذا التجمع، اي ان ما اريد قوله هنا انه حتى لندن نفسها ليست مصانة من انتقال على الاقل اشكال الثورة في مصر. ان الاجواء الثورية متى ما تم عكسها، تبث الحماسة في افئدة الناس. ان هذا يصح على ايران ايضاً. ستؤثر هذه الثورات على اجواء المجتمع دون شك. اي حماس يدب في اناس يشاهدون من اجهزة تلفازهم وكومبيوتراتهم مايجري، ومايمكن عمله، واية اقتدار وقوة تجلبها جمع جماهير عريضة، انه تاثير تركته الثورة في البلدان العربية على بقية بلدان العالم ومنها ايران.

ولكن اذا اردنا ان نستنتج منه انتظار انتقال الثورة الى بلد مثل ايران او اي بلد معين اخر، نسال انفسنا لماذا لم تحدث ثورة في ايران، مثل سوريا على سبيل المثال، عندها سنكون مجبرين على ان ننتبه الى الاختلافات ايضاً. ان نسال انفسنا لماذا لم تندلع في لندن؟ لماذا لايتوقع احد ان تضطرب الاوضاع في تركيا او الهند، الصين او باكستان؟ هل ان الديكتاتورية في الصين اقل من ايران؟ هل الفقر في باكستان والهند اقل منه في ايران؟

في الحقيقة ان البلدان العربية تتمتع بصلات واوجه شبه لاتملكه مع بريطانيا، باكستان، الهند، الصين او تركيا وايران. لغتهم واحدة، يربطهم تاريخ مشترك الى حد ما، عاشوا سنوات تحت حكم الناسيونالليستية العربية، ويعيش عدد كبير من اناس هذه البلدان ويعمل في سائر البلدان العربية الاخرى، وبالاخص ان درجة ونوع من تكاملهم السياسي، الاقتصادي والطبقي شبيه بعض وقريب من بعض الى حد كبير.

ما اريد قوله هو انها مجتمعات ذات صلة واندغام وثيقين مع بعض وبدرجة من تكاملها الاقتصادي والسياسي المتشابه ومتاثرة ببعض تاريخياً. ان القضايا التي تجابهها المجتمعات والجماهير متشابهة الى حد كبير. ان الحكومات في البلدان العربية شبيهة ببعض الى حد كبير، وصلتها بمجتمعاتها متماثلة الى حد كبير ايضاً.

ليس ثمة اوجه شبه بين البلدان العربية وايران، تركيا، الهند وباكستان. ان صلة دولة ايران او الحكومة الايرانية بمجتمع ايران تختلف كثيراً. اعلم ان مجتمع ايران مجتمع مضطهد ويرسف بالقمع والفقر، بيد ان صلة الدولة و البرجوازية والبروليتاريا تختلف عن صلة الدولة و البرجوازية والبروليتاريا في مثلاً مصر، سوريا او العراق.

وعليه، برايي، ينبغي ان نحذر من تعميم او سريان هذه الثورات الى بلدان اخرى مثل ايران وغيرها. ان صلة هذه الثورات بمجتمع ايران اقرب الى هذه البلدان بتركيا والصين وباكستان منه بسائر البلدان العربية.

لماذ لايتوقع احد ان تنتقل هذه الثورات الى باكستان؟ وذلك لان بنية وتركيبة مجتمع باكستان تختلف عن مصر. مثلما ان بنية مجتمع ايران، بنيته الطبقية، بنيته الاجتماعية، درجة وعيه الاجتماعي والتاريخي كلها تختلف كثيراً عن مصر. في الوقت الذي فيه بلدان مصر، ليبيا وتونس، من زوايا اساسية شبيهة ببعض الى حد كبير. والا سنقع فريسة تفاؤل واهم. ينبغي رؤية هذه الاختلافات، وان نحتاط من توقع سريان هذه الثورات لايران. ان التطلع غير الواقعي والمتفائل يجلب في المطاف الاخير تكتيك خاطيء، يأس واستنتاج خاطيء.

اني لا اعتقد ان عدم سريان هذه الثورات الى ايران ناجم عن اقتدار حكومة الجمهورية الاسلامية او اعمال احمد نجاد. انه ناجم عن الاليات، الحركات والافاق المختلفة التي تحرك الطبقات المختلفة وبالاخص الطبقة العاملة والجماهير الكادحة في ايران. اذ تختلف هذه الاليات والحركات عن مصر وتونس وسورية. ان الاختلافات هي التي تجعل لا امر وجود اختلاف في المرحلة بين الثورة في بلد مثل ايران مع البلدان العربية، بل حتى ان لاتكون مبدئياً ثورة ايران امتداداً لتلك الثورات.

ومن البدء، في حين لم يكن احد يعترف بان مايجري في مصر هو ثورة، اشرت في مقال لي الى ان نسيم الثورة الذي يبعث على الغبطة سيعم المنطقة كلها. اني على قناعة تامة بذلك فعلاً. ولكن لتصوير مدى وشكل تاثير تلك الثورات على البلدان المختلفة، ينبغي ان نعود الى التحليل المشخص للاوضاع المحددة لذلك البلد. ان التعميم الاستسهالي لايخدم. انه يحل الاماني بدل الوقائع والحقائق.

اذا اردنا ان ننظر للامر من زاوية علمية وماركسية، علينا رؤية، بالاضافة الى اشكال الشبه، اشكال عدم التشابه واليات الحركات الخاصة بكل بلد. ولهذا بالضبط لم تسري ثورة 1979 الايرانية لاي بلد عربي. وان تكون الثورة الايرانية احد اوائل الثورات التي تم تناولها في تقارير على صعيد العالم كله، اذ كانت اول ثورة غطتها وسائل الاعلام العالمية على شاشات التلفاز، وان يكن ببعض التاخير الناجم عن عدم وجود الفضائيات. لقد بثت بطولة جماهير ايران الحماس في الجميع، وقبل كل هذا في البلدان العربية، بيد ان هذه الثورة لم تنتقل الى تلك البلدان.

مصطفى اسد بور: انه لامر يمكن الاشارة اليه وهو انه على الرغم من الاختلافات التي اشرت لها، ان تاثير نسائم فرح الثورات بوسعه ان يطرح سؤال اخر، على الاخص لماذا لم يحدث هذا في ايران؟

ان هذا يقربنا من نقاشات سياسية حامية في ايران. اسمح لي ان ابدأ من الجمهورية الاسلامية. بغض النظر عن تقييمها، ان الجمهورية الاسلامية تخفض الاجور، تهرطق، تقوم باعمال قمعية اكبر واشد وحشية. انه مهزلة مرة. انه برايي يشبه اللوم الاستهزائي. اي دواء اعطوه للجماهير؟ كيف بوسع الجمهورية الاسلامية ان تقوم بمثل هذه الممارسات في الوقت الذي تنفق البلدان المجاورة الالاف والالاف الدولارات كي تنقذ رقبتها؟

كورش مدرسي: اذا كان منظورك للبلدان المجاورة هي السعودية والكويت. انهما شركات وليست بلدان. انهما يتمتعان باموال طائلة، والجميع ينال معاشه من الدولة. برايي ان فولاذ ايران اكبر من دبي من حيث المساحة. دبي بقدر شركة فولاذ ايران. مع اختلاف واحد وهو ان العمال يقومون باعمال اخرى هناك. ما اود قوله هو ينبغي عدم مقارنتها بمصر وتونس، ليبيا، اليمن او العراق وسوريا.

لنعد للسؤال. سؤالي هو لماذا تتطلع لسريان الثورة لايران، ولكن لايساورك هذا التطلع من تركيا؟ حين تضع انتظار في غير مكانه امامك، لايكون لديك جواب في مكانه وممحص على عدم تحققه، وعندها ستنتابك مشاعر المرارة والفشل جراء عدم تحققه.

لم يلزم مجتمع ايران الصمت اساساً. اذ يتواصل النضال من اجل اقرار الحقوق الديمقراطية باشكال مختلفة، الطبقة العاملة منهمكة بنضالات واسعة. ان لم تؤدي هذه النضالات الى ثورة او ازمة ثورية في ايران، فهذه مسالة اخرى. ان سبب عدم سريان الثورات في البلدان العربية لايران يعود الى تلك الاختلافات ذاتها التي اشرت لها. اجمالاً، تختلف البرجوازية ودولتها في ايران كثيراً عن البرجوازية المصرية. انها اكثر تكاملاً من الناحية الاقتصادية او السياسية.

ما اود قوله ان حكومة الجمهورية الاسلامية اكثر تعقيداً من حكومة مصر او سورية. ان برجوازية ايران اوسع من سوريا او مصر حتى، تشمل قسم اوسع من المجتمع، اكثر نضوجاً من الناحية السياسية والاقتصادية.

ان مشكلة حكومة الجمهورية الاسلامية اليوم مع قسم من البرجوازية الايرانية تتمثل بان في عملية اجراء الخصخصة، فان قسماً كبيراً من اقتصاد ايران قد اصبح بيد الراسمال الخاص الذي لم يُمَثَّلْ في الدول والحكومة بالشكل الذي ينبغي. وعليه، يريد حصة اكبر من السلطة السياسية تتناسب مع مكانته الاقتصادية. ان هذا هو اساس الصراع منذ مرحلة رفسنجاني وخاتمي الى احداث الخضر (تيار موسوي-م) هذه. ان لديهم مصلحة في صيانة النظام، ومايريدونه هو فقط تعديله، او على قول موسوي، حكومة لاتحذف الاخرين. انهم ليسوا دعاة ثورة. ان نفوذ هذا القسم من البرجوازية في المجتمع قوي جداً. لانواجه هذه الوضعية في مصر، سوريا او اليمن. كذلك هو الحال مع الطبقة العاملة في ايران. لا اعتقد ان الطبقة العاملة المصرية تمثل جزء من الف من الطبقة العاملة في ايران من الناحية الذاتية، الشيوعية تتمتع بحد من النفوذ داخلها. ان الطبقات الاساسية لمجتمع ايران معاً ذا تاريخ مختلف مقارنة بالبلدان العربية. ومثلما ذكرت انها مثل تركيا، باكستان واندنوسيا.

ان قسم من تحركات وضجيج المعارضة الايرانية ناجم، بالاضافة الى السطحية السياسية، عن انها وبدل تحليل الاوضاع، تهدف لرسم امل نصر قريب من اجل روحيتها ومعنوياتها. انه استهلاك تنظيمي اكثر منه ايجاد تكتيك لمجابهة الجمهورية الاسلامية، في عملية امتدت لسنوات ، تدخلوا بالنضال ضد الجمهورية الاسلامية من عمود الصحيفة هذه لذلك العمود، كي يبقوا على انفسهم وصفوفهم بمعنويات وامل. ان المجاهدون هم نموذج بارز لمثل هذا النوع من التحليلات.

ان عملية الانتخابات الجمهورية الاسلامية ليست مزيفة بقدر البلدان العربية. انها عملية تعطي للبرجوازية الايرانية حدا من حرية الاختيار. ان برلمانها ليس بقدر البلدان العربية مزيفاً.

بعد عامين، يذهب احمد نجاد، ومثل اوربا تصفر الجمهورية الاسلامية "الخانات الانتخابية" من جديد، تنظم انتخابات اخرى، يخرج منها لاريجاني او شخص اخر. تلعب عملية الانتخابات بالنسبة للجمهورية الاسلامية دور صمام امان. لاترى هذه الاليات في اي بلد عربي. ان مجتمع ايران، من الزاوية الحقوقية البرجوازية، ومن زاوية بنية الاليات السياسية هي اشبه بتركيا، وبدرجة اوربا، من مصر. ان هذه الحقيقة تضفي سمة مقاومة اكثر للجمهورية الاسلامية وتجعل النضال ضدها اكثر تعقيداً.

ان اطروحة ان الجمهورية الاسلامية ترتعش دوماً وان الثورة هي بعد المنعطف المقبل، هي بالنسبة لقسم كبير من المعارضة الايرانية سايكلوجيا امل بالبقاء وامل اعطاء راحة بال لنشاطهم السياسي اكثر منه اتخاذ استراتيجية وتكتيك متدخلا للاطاحة بالجمهورية الاسلامية. اننا نرى الظاهرة ذاتها اليوم. من الواضح ان الثورة في البلدان العربية اعادت الامل مرة اخرى لهم. اذ بدل طرح تحليل موضوعي ، يبقون نور شمعة الامل وضاءاً. ينفخون بتفاؤل ان الثورة او اسقاط النظام (اي ثورة؟ واي اطاحة؟) هو مابعد المنعطف المقبل.

على اية حال، في الوقت الذي اؤكد على ان للثورات تاثير ايجابي على اجواء كل المنطقة ونسيم فرح على الاجواء الرجعية السائدة على الشرق الاوسط. بيد ان التعميم الميكانيكي للتشابهات هو امر خاطيء من الناحية النظرية، ومن الناحية السياسية هو الوجة الاخر لعملة سياسة انتظار الثورة الموعودة التي من المحتمل كثيرا ان تضرب راسها بالحائط هباءاً، وبعدها لامناص لها من انتظار الثورة مابعد المنعطف المقبل. ان هذه الطريقة لاتساعد بتوضيح تكتيك واستراتيجية صحيحة.

مصطفى اسد بور: لو نذهب لعالم المعارضة، وبالاخص المعارضة اليسارية، يؤكدون هناك على دور ثورة مصر وغيرها بصورة اشد كثيراً. يبينوا هنا بعضاً من العذابات كذلك. تتطلع قلوبهم الى ان تتاثر الجماهير اكثر. وكلما نتقرب الى اليسار اكثر نرى وحدتهم انهم مضوا لحد انهم يطرحون نموذجاً من نمط ليبيا امام جماهير ايران ويدعموه. الا تعتقد قد يكون بحال من الاحوال محركاً يمنح الجماهير ثقة بالنفس اكثر.

كورش مدرسي: اشرت الى ان هدف هذه التحليلات هو اعطاء دعم معنوي وعزيمة. بيد ان استنتاجاتها هي على شاكلة التحليلات نفسها ايضاً. اذا بلغت نتيجة ان ايران على ابواب الثورة جراء الاجواء الثورية في البلدان العربية، عندها ستقودني الثورات ذاتها في ليبيا ومصر وتونس الى استنتاج ان تنظيم الطبقة العاملة يحتاج الى عمل عاجل. الشروع بالتحزب الشيوعي داخل الطبقة العاملة يستلزم عمل عاجل. ان هذا يختلف عن التصور العام لليسار الذي يفهم السياسة، الحياة من اكسيون الى اكسيون، والبقاء مرتاحي البال.

اذا لا نريد ان نكون شعبويين، ينبغي ان ننتبه ونلاحظ ان الطبقة العاملة في مصر وتونس وليبيا دخلت الثورة وهي ليست مهيئة او على استعداد. ان بروز اوضاع ثورة هو امر ليس بتحكمي وتحكمك. ان ماهو بيدنا هو درجة استعداد، وعي وتنظيم الطبقة العاملة حين ولوج هذه الثورة. اذا ولجت الطبقة العاملة الايرانية الثورة بهذه الدرجة من الوحدة والوعي الراهنين، والتي البرجوازية في ايران اكثر وعياً وتنظيماً بحد كبير من مصر وسوريا وغيرها، عندها ستكون في اوضاع اسوأ من الطبقة العاملة المصرية والليبية. ينبغي ان يكون هذا الامر مشغلتنا وانهماكنا.

لقد ذكرت اني حتى لو ارى الثورة في المنعطف اللاحق، ومن زاوية عمالية وماركسية، ساصل باستنتاج مختلف عن كل اليسار الايراني. ساصل الى استنتاج ان الاوضاع عاجلة. ينبغي ان امضي بقوة وبكل قواي الى تنظيم الطبقة العاملة وتوحيدها.

اليوم عاجل بمعنى ان نقوم بعمل من شانه ان يصبح بمقدور النشاط الشيوعي في الجامعات ان ينهض مرة اخرى، وان تزهر النبتة من تحت الارض مرة اخرى.

ان انجاز هذه الاعمال يتطلب تخصيص طاقات على جميع الابعاد والاصعدة السياسية، النظرية والعملية. يتطلب عمل شيوعي صبور وافق وخطة ورؤية. بخلاف ذلك، من مسالة احتمال اندلاع الثورة في ايران، نستنتج فقط ينبغي ان "نشحذ حواسنا". ان هذه توصية حكيمة بالطبع، ولكن عملياً توصلنا الى نتيجة ان لانقوم بعمل يذكر. يكفي ان ننتظر الثورة و"نشحذ حواسنا". ان نستعد بالدخول عبر الخطوط الجوية او الحدود ونغدو قادة الثورة.

تبين تجربة ثورة مصر وسائر البلدان العربية ان هذه السياسة هي توهم. نحن بحاجة لطبقة عاملة واعية ومنظمة. من الواضح اذا اندلعت الثورة اليوم في ايران، سنهب جميعنا او قسم منا لنعود الى ايران ونسعى لخلق افضل الاوضاع للثورة العمالية. ان وضع الراسمال على هذه السياسة لايعد استراتيجية شيوعية متدخلة. البقاء بانتظار ربح اليانصيب.

ان برجوازية عالمنا تبين للطبقة العاملة الايرانية وللشيوعيين ان التنظيم والتحزب الشيوعي للطبقة العاملة هما ظاهرة عاجلة اليوم اكثر من اي وقت مضى. ان الثورة العمالية مرهونة بهذا، واذا كانت الثورة في ايران امرا ممكناً، وهو ممكناً، عندها يغدوا السؤال كيف تدخل الطبقة العاملة هذه الثورة؟ اين يقف الشيوعيون؟ في بحث التحزب الشيوعي للطبقة العاملة سعيت بدرجة ما الى فتح الموانع الحركية (على صعيد الحركة-م) لهذا النشاط في ذهنية اليسار.

ولكن على اية حال، وارتباطاً ببحث اليوم، نقطتي هي كلما اعتقدنا بان هذه الموجة ستنتقل الى ايران، ينبغي ان تتعاظم قناعتنا بان التحزب الشيوعي وتنظيم الطبقة العاملة هما امراً واجباً اكثر من تناول العشاء بالنسبة لحزب شيوعي.

ان هناك جمع يعتقد بوجوب الاطاحة بنظام ايران مثل ليبيا عبر دعم الغرب، وبغض النظر عن محتواه اليميني والرجعي الكبير، لن يتحقق هذا. ان الطبقات والحركات الطبقية في ايران مختلفة. لقد جربت البرجوازية الايرانية الموالية للغرب هذه السياسة منذ وقت بوش، ولم تتحقق. اما بالنسبة للكثيرين، يعد هذا اسلوب للبقاء وللبقاء ذا صلة بالسياسة في ايران. لقد كان هذا شغلهم في 30 سنة في المنفى. القاء العبارات غير المسؤولة تلو العبارات، ولم يكن لهم اي اثر ايجابي في المجتمع.

انها حقيقة مرة وتبعث على الحزن. ولكن بوسع امرء ان يغير ذلك عبر ان ينظر للواقع كي يستطيع ان يطرح سبيلاً.

على اية حال، اعتقد كلما تتعاظم هبة نسيم الثورة في البلدان العربية على مجتمع ايران، ينبغي بالقدر ذاته على شيوعيي ايران والطبقة العاملة الايرانية ان يبينوا ان الوقت متاخراً، ينبغي على طبقتنا ان لاتدخل بهذا الحال ثورة ايران. ثمة حاجة مبرمة لتنظيم الطبقة العاملة ووعيها، نحتاج لان نضع ايادي الفعالين الشيوعيين للطبقة العاملة بيد بعض، نحتاج ان ينتظم صف الطبقة العاملة تحت نشاط شيوعي.

ان ابداء النصح حول وجوب الانتباه والوعي هو قول حكيم. في المطاف الاخير، اذا لم نستطيع ترجمة وجوب الانتباه والوعي هذه الى افق وخطة عمليين للمجتمع وللطبقة العاملة، عندها يبقى كلاماً حكيماً فقط. كلام جيد، ولكن نصيحة.

مصطفى اسد بور: كورش مدرسي، اسمح لي ان اطرح السؤال التالي: اذا تنظر للامر من زاوية عامل، قد يواجهك بالسؤال ان فرص سياسية وتاريخية ايضاً تتمتع باهمية في النضال من اجل بلوغ الهدف. كيف توضح انه في عالم من الممكن ان تحدث تحولات سياسية كبيرة، ماهو صلة تنظيم العمال في المعمل ووضع اياديهم بايادي بعض من اجل الاجور والتنظيم بذلك التعجيل للاطاحة بالجمهورية الاسلامية من الاساس وتنظيم الثورة التي تنشد؟

كورش مدرسي: مرة اخرى اود ان اؤكد لا انا ولا انت نصيغ الثورة. لاتاتي الثورة بارادة شخص او حزب. الثورة مثل بركان ينفجر. السؤال المطروح هو حين يحدث الانفجار هل تكون مستعداً ام لا؟ السؤال هو هل عليك ان تنتظر الى ان ينتزعوا يانصيبنا؟

ليس بوسع احد اليوم ان يوجه نداء للتجمع في ميدان الحرية ونصب الخيام. ان مصير هذا التكتيك هو الاخفاق في اوضاع ايران اليوم. سيتم قمعه. ما اود قوله ان الثورة في البلدان العربية لم تحدث عبر حديث جماعة عبر اليوتوب او الفيسبوك وتوجيه نداء اذهبوا للتجمع في ميدان التحرير واحتجوا. ان هذا التصوير لاحداث الشرق الاوسط هو سطحي الى حد بعيد.

ان صيرورة الثورة وحدوثها ليس امر بيدي وبيدك. ان ماهو بيدي ويدك هو هل ان الطبقة العاملة مستعدة لتسلم زمام قيادة الثورة حين تقرع طبول الثورة ام لا؟ الى اي حد مستعدة وجاهزة؟ ينبغي ان يكون هذا هو السؤال. ان بوسع هذا ان يعجل ويسرع من عملنا. ان السياسة الشيوعية تتناقض مع عدم الثبات والصبر البرجوازي الصغير.

كيف يمكن اليوم ان تخرج العامل من العمل، تجمعه في ميدان الحرية في طهران وينصب خيمة؟ ما اود قوله هو يجب الانتباه الى الاختلاف مابين الاوضاع الثورية والاوضاع غير الثورية. تعلمنا الماركسية ذلك، وان فن امرء شيوعي وفن ناشط شيوعي داخل الطبقة العاملة هو ادراك الاختلاف بين كلا الوضعين، ويؤمن مع قرع طبول الثورة، جعل الطبقة العاملة باكثر مايمكن من استعداد لدخول الازمة الثورية. يتمثل البحث بالتالي: حين تنطلق الثورة، ماهي القدرة التي تتمتع بها الطبقة العاملة، كم هي واعية ومنظمة، حول من تلتف، واي اطراف كلامهم جدير بالسماع، ومع اي شيء تتعاطف؟ بخلاف ذلك، تدخل الطبقة العاملة مثل ثورة 1979 ملتبسة الرؤية ومبهوتة، عندها بالضبط مثل ثورة 1979 لاتستطيع ان تسيطر على الاوضاع. حتى حين يكون بيدها خرطوم النفط، لاتتمتع بذلك الاقتدار العالي. السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل نريد ان ندخل مرة اخرى ان ندخل ثورة ايران المقبلة مثلما دخلناها في 1979؟ اذا كان الجواب بالنفي، وبرايي يجب ان يكون كذلك، لاينبغي ان ندخل الثورة المقبلة في ايران مثلما دخلنا ثورة 1979 بل ولاحتى مثل مصر، ليبيا وتونس. ان جواب هذا الامر هو ينبغي ان نتحرك، وينبغي ان نقوم بالمهمة الفورية والعاجلة لتوحيد وتنظيم الطبقة العاملة وتحزبها الشيوعي.

ان ايران هي احد اكثر مجتمعات العالم مهيئة للثورة العمالية. ان مثل هذه الثورة صعبة جدا في باكستان، ولكن في ايران ليست صعبة اساساً. ان عدة سنوات من تجربة عمل الحزب الحكمتي، وبابعاد محدودة، بينت كيف ان بوسع نشاط شيوعي صبور وبعيد عن التقليد الاكسيوني-الحركي لليسار ان يعطي ثماراً بسرعة، بوسعه ان يزيح الرجعية. ان هذا العمل يتطلب افقه، خطته، تنظيمه وفعاليه. وربما الاهم ان نعرف ان هذه الظاهرة داخل البلد امراً يتناقض مع الغريزة والعادات الحركية (من كلمة حركة-م) لليسار الساكن في خارج البلد.